
About
يقدم الكتاب مفهومًا للحضارة يختلف عن المفهوم المادي السائد. فالحضارة الحقيقية تُقاس بمدى تمتع الإنسان بـ الأمان، الاطمئنان، الكفاية، التفاهم، التعاون، المحبة، والاحترام المتبادل للكرامة والحريات. ويرى المؤلف أن أشياء بسيطة كرغيف الخبز وإناء الفخار هي مقاييس أصدق للتقدم الحقيقي من الوصول إلى القمر، لأنها تجلب الخير وتيسر حياة الإنسان، بينما الأهرامات وقصور فرساي تعبر عن ظلم واستغلال. فيما يخص التاريخ، يوضح الكتاب أن دراسة التاريخ لا تقتصر على الماضي فحسب، بل تشمل الحاضر والمستقبل. فالمؤرخ يدرس الماضي لفهم الحاضر وتوجيه المستقبل. ويرفض المؤلف فكرة وجود علم يسمى "فلسفة التاريخ"، بل هي محاولات لفهم القوى المحركة للتاريخ وأسباب قيام الحضارات وتدهورها. ويشدد على أن العقل البشري هو أول مخترعات الإنسان، وأن تنبه الإنسان لقدرته على الإدراك والربط بين الظواهر كان الخطوة الأولى نحو الحضارة. يُسلط الكتاب الضوء على ارتباط الحضارة والتاريخ ببعضهما البعض ارتباطًا وثيقًا. وينتقد النظريات التي تربط قيام الحضارات بالبيئة الجغرافية بشكل حتمي أو بالتفوق العرقي. ويؤكد أن جميع أجناس البشر متساوية في القدرات الذهنية وأن نظرية تمييز جنس على جنس آخر هي تشويه وتزييف لحقيقة بناء التاريخ. ويستشهد بالقرآن الكريم الذي يؤكد أن الله خلق البشر من أصل واحد، وتفرقوا شعوبًا وقبائل للتعارف والتعاون، وأن أكرمهم أتقاهم. يناقش الكتاب "فكرة التقدم" التي ازدهرت في عصر النهضة الأوروبية بفضل الفكر العلمي. ويرى أن هذا التقدم كان له الفضل في إخراج الحضارة الإنسانية من الركود والخطأ، خاصة بفضل رواد مثل بيكون ونيوتن. لكنه ينتقد الجوانب السلبية لهذا التقدم المادي الذي رافقه تدهور أخلاقي، وتبرير للاستعمار، وإبادة الشعوب، والحروب المدمرة. ويستعرض آراء فولتير وروسو كرواد لهذا الفكر، ويُبرز كيف ساهموا في تحريك العقول نحو التغيير. كما يذكر آراء متشائمة مثل سبنجلر وتوينبي الذين رأوا أن الحضارة الغربية في طريقها للانحدار. يُفرق المؤلف بين "الثقافة" و"الحضارة". فالحضارة عالمية الطابع، تقوم على أسس علمية واقتصادية. أما الثقافة فهي محلية وشخصية وإنسانية، وهي طريقة الشعب في الحياة بكل تفاصيلها من طعام وشراب ومسكن وعادات وتقاليد وفنون شعبية. ويُعتبر ابن خلدون قد أدرك هذا الفرق بمفهومه "العمران" الذي يقابل الثقافة. ويُحذر المؤلف من الغزو الثقافي الذي يؤدي إلى اختلال ميزان القيم وتزعزع الهوية.