< إنجيل لوقا 1

Listen to this chapter • 7 min
[1] لَمَّا أَن أَخذَ كثيرٌ مِنَ النَّاسِ يُدَوِّنونَ رِوايَةَ الأُمورِ الَّتي تَمَّت عِندَنا،
[2] كما نَقَلَها إِلَينا الَّذينَ كانوا مُنذُ البَدءِ شُهودَ عِيانٍ لِلكَلِمَة، ثُمَّ صاروا عامِلينَ لها،
[3] رَأَيتُ أَنا أَيضًا، وقَد تقَصَّيتُها جَميعًا مِن أُصولِها، أَن أُكتُبَها لَكَ مُرَتَّبَةً يا تاوفيلُسُ المُكرَّم،
[4] لِتَتَيَقَّنَ صِحَّةَ ما تَلَقَّيتَ مِن تَعليم.
[5] كانَ في أَيَّامِ هيرودُس مَلِكِ اليَهودِيَّة كاهِنٌ ٱسمُه زَكَرِيَّا مِن فِرقَةِ أَبِيَّا، لَه ٱمرَأَةٌ مِن بَناتِ هارونَ ٱسمُها أَليصابات،
[6] وكانَ كِلاهما بارًّا عِندَ الله، تابعًا جَميعَ وَصايا الرَّبِّ وأَحكامِه، ولا لَومَ علَيه.
[7] ولَم يَكُنْ لَهما وَلَد لأَنَّ أَليصاباتَ كانَت عاقِرًا، وقَد طَعَنا كِلاهُما في السِّنّ.
[8] وبَينَما زَكَرِيَّا يَقومُ بِالخِدمَةِ الكَهنوتِيَّةِ أَمامَ اللهِ في دَورِ فِرقَتِه،
[9] أُلقِيَتِ القُرعَةُ جَرْيًا على سُنَّةِ الكَهَنوت، فأَصابَتهُ لِيَدخُلَ مَقدِسَ الرَّبِّ ويُحرِقَ البَخُور.
[10] وكانَت جَماعَةُ الشَّعبِ كُلُّها تُصَلِّي في خارِجِه عِندَ إِحراقِ البَخور.
[11] فَتَراءَى لَه مَلاكُ الرَّبِّ قائِمًا عن يَمينِ مَذبَحِ البَخُور.
[12] فَٱضطَرَبَ زَكَرِيَّا حينَ رآهُ وٱستَولى علَيهِ الخَوف.
[13] فقالَ لَه المَلاك: «لا تَخَفْ، يا زَكَرِيَّا، فقَد سُمِعَ دُعاؤُكَ وسَتَلِدُ لكَ ٱمرَأَتُكَ أَلِيصاباتُ ٱبنًا فَسَمِّه يوحَنَّا.
[14] وستَلْقى فَرَحًا وٱبتِهاجًا، ويَفرَحُ بِمَولِدِه أُناسٌ كثيرون.
[15] لأَنَّه سيَكونُ عَظيمًا أَمامَ الرَّبّ، ولَن يَشرَبَ خَمرًا ولا مُسكِرًا، ويَمتَلِئُ مِنَ الرُّوحِ القُدُس وهوَ في بَطْنِ أُمِّه،
[16] ويَرُدُّ كَثيرًا مِن بَني إِسرائيلَ إِلى الرَّبِّ إِلٰهِهِم
[17] ويَسيرُ أَمامَه وفيهِ رُوحُ إِيليَّا وَقُوَّتُه، لِيَعطِفَ بِقُلوبِ الآباءِ على الأَبناء، ويَهْديَ العُصاةَ إِلى حِكمَةِ الأَبرار، فَيُعِدَّ لِلرَّبِّ شَعبًا مُتَأَهِّبًا».
[18] فَقالَ زَكَرِيَّا لِلمَلاك: «بِمَ أَعرِفُ هٰذا وأَنا شَيخٌ كَبير، وَٱمرَأَتي طاعِنَةٌ في السِّنّ؟»
[19] فأَجابَه المَلاك: «أَنا جِبرائيلُ القائِمُ لدى الله، أُرسِلتُ إِليكَ لأُكَلِّمَكَ وأُبَشِّرَكَ بِهٰذه الأُمور
[20] وستَظَلُّ صامِتًا، فلا تَستَطيعُ الكلامَ إِلى يَومَ يَحدُثُ ذٰلك، لأَنَّكَ لَم تُؤمِنْ بِأَقوالي وهي سَتَتِمُّ في أَوانِها».
[21] وكانَ الشَّعبُ يَنتَظِرُ زَكَرِيَّا، مُتَعَجِّبًا مِن إِبطائِه في المَقدِس.
[22] فلَمَّا خَرَجَ لم يَستَطِعْ أَن يُكَلِّمَهم، فَعَرفوا أَنَّه رأَى رُؤيا في المَقدِس، وكانَ يُخاطِبُهم بِالإِشارَة، وبَقِيَ أَخرَس.
[23] فَلَمَّا ٱنقَضَت أَيَّامُ خِدمَتِهِ ٱنصَرَفَ إِلى بَيتِه.
[24] وبَعدَ تِلكَ الأَيَّام حَمَلَتِ ٱمرَأَتُه أَليصابات، فَكَتَمَت أَمرَها خَمسَةَ أَشهُر وَكانَت تَقولُ في نَفسِها:
[25] «هٰذا ما صَنَعَ الرَّبُّ إِلَيَّ يَومَ نَظَرَ إِلَيَّ لِيُزيلَ عَنِّي العارَ بَينَ النَّاس».
[26] وفي الشَّهرِ السَّادِس، أَرسَلَ اللهُ المَلاكَ جِبرائيلَ إِلى مَدينَةٍ في الجَليلِ ٱسْمُها النَّاصِرَة،
[27] إِلى عَذْراءَ مَخْطوبَةٍ لِرَجُلٍ مِن بَيتِ داودَ ٱسمُه يوسُف، وَٱسمُ العَذْراءِ مَريَم.
[28] فدَخَلَ إِلَيها فَقال: «إِفرَحي، أَيَّتُها المُمتَلِئَةُ نِعْمَةً، الرَّبُّ مَعَكِ».
[29] فداخَلَها لِهٰذا الكَلامِ ٱضطرابٌ شديدٌ وسأَلَت نَفسَها ما مَعنى هٰذا السَّلام.
[30] فقالَ لَها المَلاك: «لا تَخافي يا مَريَم، فقَد نِلتِ حُظوَةً عِندَ الله.
[31] فَستَحمِلينَ وتَلِدينَ ٱبنًا فسَمِّيهِ يَسوع.
[32] سيَكونُ عَظيمًا وَٱبنَ العَلِيِّ يُدعى، وَيُوليه الرَّبُّ الإِلٰهُ عَرشَ أَبيه داود،
[33] ويَملِكُ على بَيتِ يَعقوبَ أَبَدَ الدَّهر، وَلَن يَكونَ لِمُلكِه نِهاية»
[34] فَقالَت مَريَمُ لِلمَلاك: «كَيفَ يَكونُ هٰذا وَلا أَعرِفُ رَجُلاً؟»
[35] فأَجابَها المَلاك: «إِنَّ الرُّوحَ القُدُسَ سيَنزِلُ علَيكِ وقُدرَةَ العَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، لِذٰلِكَ يَكونُ المَولودُ قُدُّوسًا وَٱبنَ اللهِ يُدعى.
[36] وها إِنَّ نَسيبَتَكِ أَليصابات قد حَبِلَت هي أَيضًا بِٱبنٍ في شَيخوخَتِها، وهٰذا هو الشَّهرُ السَّادِسُ لِتِلكَ الَّتي كانَت تُدعى عاقِرًا.
[37] فما مِن شَيءٍ يُعجِزُ الله».
[38] فَقالَت مَريَم: «أَنا أَمَةُ الرَّبّ، فَليَكُنْ لي بِحَسَبِ قَوْلِكَ». وَانصَرَفَ المَلاكُ مِن عِندِها.
[39] وفي تلكَ الأَيَّام قامَت مَريمُ فمَضَت مُسرِعَةً إِلى الجَبَل إِلى مَدينةٍ في يَهوذا.
[40] ودَخَلَت بَيتَ زَكَرِيَّا، فَسَلَّمَت على أَليصابات.
[41] فلَمَّا سَمِعَت أَليصاباتُ سَلامَ مَريَم، ارتَكَضَ الجَنينُ في بَطنِها، وَٱمتَلأَت مِنَ الرُّوحِ القُدُس،
[42] فَهَتَفَت بِأَعلى صَوتِها: «مُبارَكَةٌ أَنتِ في النِّساء! وَمُبارَكَةٌ ثَمَرَةُ بَطنِكِ!
[43] مِن أَينَ لي أَن تَأتِيَني أُمُّ رَبِّي؟
[44] فما إِن وَقَعَ صَوتُ سَلامِكِ في أُذُنَيَّ حتَّى ٱرتَكَضَ الجَنينُ ٱبتِهاجًا في بَطْني.
[45] فَطوبى لِمَن آمَنَت: فسَيَتِمُّ ما بَلَغها مِن عِندِ الرَّبّ».
[46] فقالَت مَريَم: «تُعَظِّمُ الرَّبَّ نَفْسي،
[47] وتَبْتَهِجُ روحي بِاللهِ مُخَلِّصي
[48] لأَنَّه نَظَرَ إِلى أَمَتِه الوَضيعة. سَوفَ تُهَنِّئُني بَعدَ اليَومِ جَميعُ الأَجيال،
[49] لأَنَّ القَديرَ صَنَعَ إِلَيَّ أُمورًا عَظيمة: قُدُّوسٌ ٱسمُه،
[50] ورَحمَتُه مِن جيلٍ إِلى جيلٍ لِلَّذينَ يَتَّقونَه.
[51] كَشَفَ عَن شِدَّةِ ساعِدِه، فشَتَّتَ المُتَكَبِّرينَ في قُلوبِهم.
[52] حَطَّ الأَقوِياءَ عنِ العُروش، ورَفَعَ الوُضَعاء.
[53] أَشبَعَ الجِياعَ مِنَ الخَيرات، والأَغنِياءُ صَرَفَهم فارِغين.
[54] نَصَرَ عَبدَه إِسرائيل، ذاكِرًا، كما قالَ لِآبائِنا،
[55] رَحمَتَه لإِبراهيمَ ونَسْلِه لِلأَبد».
[56] وأَقامَت مَريمُ عِندَ أَليصاباتَ نَحوَ ثَلاثَةِ أَشهُر، ثُمَّ عادَت إِلى بَيتِها.
[57] وأَمَّا أَليصابات، فَلَمَّا تَمَّ زمانُ وِلادَتِها وَضَعَتِ ٱبنًا.
[58] فسَمِعَ جيرانُها وأَقارِبُها بِأَنَّ الرَّبَّ رَحِمَها رَحمَةً عَظيمة، ففَرِحوا مَعَها.
[59] وجاؤُوا في اليَومِ الثَّامِنِ لِيَختِنوا الطِّفْلَ وأَرادوا أَن يُسَمُّوهُ زَكَرِيَّا بِٱسمِ أَبيه.
[60] فتَكَلَّمَت أُمُّه وقالت: «لا، بل يُسَمَّى يوحَنَّا».
[61] قالوا لها: «لَيسَ في قَرابَتِكِ مَن يُدعى بِهٰذا الاِسم».
[62] وسَأَلوا أَباه بِالإِشارَةِ ماذا يُريدُ أَن يُسَمَّى،
[63] فطَلَبَ لَوحًا وكَتَب: «إِسمُه يوحَنَّا». فتَعَجَّبوا كُلُّهم.
[64] فَٱنفَتَحَ فَمُه لِوَقتِه وَٱنطَلَقَ لِسانُهُ فتَكَلَّمَ وبارَكَ الله.
[65] فَٱسْتَولى الخَوفُ على جيرانِهِم أَجمَعين، وتَحَدَّثَ النَّاسُ بِجَميعِ هٰذِهِ الأُمورِ في جِبالِ اليَهودِيَّةِ كُلِّها.
[66] وكانَ كُلُّ مَن يَسمَعُ بِذٰلِكَ يَحفَظُه في قَلبِهِ قائلاً: «ما عَسى أَن يَكونَ هٰذا الطِّفْل؟» فَإِنَّ يَدَ الرَّبِّ كانَت مَعَه.
[67] وَٱمتَلَأَ أَبوهُ زَكَرِيَّا مِنَ الرُّوحِ القُدُس فتَنَبَّأَ قال:
[68] «تَبارَكَ الرَّبُّ إِلٰهُ إِسرائيل، لأَنَّه ٱفتَقَدَ شَعبَهُ وَٱفتَداه،
[69] فَأَقامَ لَنا مُخَلِّصًا قَديرًا في بَيتِ عَبدِه داوُد،
[70] كما قالَ بِلِسانِ أَنبِيائِه الأَطهارِ في الزَّمَنِ القديم:
[71] يُخَلِّصُنا مِن أَعدائِنا وأَيدِي جَميعِ مُبغِضينا.
[72] فأَظهَرَ رَحمَتَه لِآبائِنا، وذَكَرَ عَهدَه المُقَدَّس
[73] ذاكَ القَسَمَ الَّذي أَقسَمَه لأَبينا إِبراهيم بِأَن يُنعِمَ علَينا
[74] أَن نَنجُوَ مِن أَيدي أَعدائِنا، فنَعبُدَه غَيرَ خائِفين
[75] بِالتَّقوى والبِرِّ أَمَامَ وَجهِه، طَوالَ أَيَّامِ حَياتِنا.
[76] وأَنتَ أَيُّها الطِّفْلُ ستُدعى نَبِيَّ العَلِيّ، لأَنَّكَ تَسيرُ أَمامَ الرَّبِّ لِتُعِدَّ طُرُقَه،
[77] وتُعَلِّمَ شَعبَهُ الخَلاصَ بِغُفرانِ خَطاياهم.
[78] تِلكَ رَحمَةٌ مِن حَنانِ إِلٰهِنا، بِها ٱفتَقَدَنا الشَّارِقُ مِنَ العُلى،
[79] فقَد ظَهَرَ لِلمُقِيمينَ في الظُّلمَةِ وَظِلالِ المَوت، لِيُسَدِّدَ خُطانا لِسَبيلِ السَّلام».
[80] وكانَ الطِّفْلُ يَترَعرَعُ وتَشتَدُّ رُوحُه. وأَقامَ في البَراري إِلى يَومِ ظُهورِ أَمرِه لإِسرائيل.