< إنجيل مرقس 14

Listen to this chapter • 8 min
[1] وكانَ الفِصحُ والفَطيرُ بَعدَ يَومَين. وكانَ عُظَماءُ الكَهَنَةِ والكَتَبَةُ يَبحَثونَ كيف يُمسِكونَه بِحيلَةٍ فيَقتُلونَه،
[2] لأَنَّهُم قالوا: «لا في حَفلَةِ العيد، لِئَلاَّ يَحدُثَ ٱضطِرابٌ في الشَّعْب».
[3] وبَينما هو في بَيتَ عَنْيا عِندَ سِمْعانَ الأَبرص، وقَد جَلَسَ لِلطَّعام، جاءَتِ ٱمرَأَةٌ ومَعَها قارورَةٌ من طِيبِ النَّارَدينِ الخالِصِ الثَّمين، فكَسَرتِ القارورةَ وأَفاضَتهُ على رأسِه.
[4] فٱستاءَ بَعضُهم وقالوا فيما بَينَهم: «لِمَ هٰذا الإِسْرافُ في الطِّيب؟
[5] فقَد كانَ يُمكِنُ أَن يُباعَ هٰذا الطِّيبُ بِأَكثَرَ مِن ثَلاثِمائةِ دينار فتُعطى لِلفُقَراء». وأَخذوا يُدَمدِمونَ علَيها.
[6] فقال يسوع: «دَعوها، لِماذا تُزعِجونَها؟ فقَد عَمِلَت لي عَمَلاً صالِحًا.
[7] أَمَّا الفُقَراء فهُم عِندَكم دائمًا أَبدًا، ومَتَى شِئتُم، أَمكَنَكم أَن تُحسِنوا إِلَيهم. وأَمَّا أَنا فَلستُ عِندَكم دائمًا أَبدًا.
[8] وقد عَمِلَت ما في وُسعِها، فَطَيَّبَت جَسَدي سالِفًا لِلدَّفْن.
[9] الحَقَّ أَقولُ لكم: حَيثُما تُعلَنِ البِشارَةُ في العالَمِ كُلِّه، يُحَدَّثْ أَيضًا بِما صَنَعت هٰذه، إِحْياءً لِذِكرِها».
[10] وذَهَبَ يَهوذا الإِسخَرْيوطيّ، أَحَدُ الِٱثنَيْ عَشَر، إِلى عُظَماءِ الكَهَنَةِ لِيُسلِمَه إِلَيهم.
[11] ففَرِحوا لِسَماعِ ذٰلك، ووَعَدوه بِأَن يُعطوه شَيئًا مِنَ الفِضَّة، فَأَخَذَ يَطلُبُ كيفَ يُسلِمُه في الوَقتِ المُوافِق.
[12] وفي أَوَّلِ يَومٍ مِن الفَطير، وفيه يُذبَحُ حَمَلُ الفِصْح، قالَ له تَلاميذُه: «إِلى أَينَ تُريدُ أَن نَمضِيَ فنُعِدَّ لَكَ لِتَأكُلَ الفِصْح؟»
[13] فأَرسَلَ ٱثنَينِ مِن تَلاميذِه وقالَ لَهما: «إِذهَبا إِلى المَدينة، فَيَلقاكُما رَجُلٌ يَحمِلُ جَرَّةَ ماءٍ فٱتبَعاه،
[14] وحَيثُما دَخَلَ فَقولا لِرَبِّ البَيت: يَقولُ المُعَلِّم: أَينَ غُرفَتي الَّتي آكُلُ فيها الفِصْحَ مَعَ تَلاميذي؟
[15] فيُريكُما عُلِّيَّةً كَبيرَةً مَفْروشَةً مُهَيَّأَة، فأَعِدَّاهُ لَنا هُناك».
[16] فذهَبَ التِّلميذانِ وأَتَيا المَدينة، فوجَدا كما قالَ لَهما وأَعدَّا الفِصْح.
[17] ولمَّا كانَ المساء، جاءَ مع الِٱثنَي عَشَر.
[18] وبينَما هم جالِسونَ إِلى المائِدةِ يأكُلون، قالَ يسوع: «الحَقَّ أَقولُ لكم إِنَّ واحِدًا مِنكُم سَيُسلِمُني، وهو يَأكُلُ معي».
[19] فأَخذوا يَشعُرونَ بِالحُزْنِ ويسأَلونَه الواحِدُ بَعدَ الآخَر: «أَأَنا هو؟»
[20] فقالَ لَهم: «إِنَّه واحِدٌ مِنَ الٱثنَيْ عَشَر، وَهو يَغمِسُ يَدَه في الصَّحفَةِ معي.
[21] فٱبنُ الإِنسانِ ماضٍ كما كُتِبَ في شَأنِه، ولٰكِنِ الوَيلُ لِذٰلِكَ الإِنسانِ الَّذي يُسلَمُ ٱبنُ الإِنسانِ عن يَدِه. فلَو لم يولَدْ ذٰلكَ الإِنسانُ لَكانَ خَيرًا له».
[22] وبَينما هم يَأكُلون، أَخذَ خُبزًا وبارَكَ، ثُمَّ كَسَرَه وناوَلَهم وقال: «خُذوا، هٰذا هُوَ جَسَدي».
[23] ثُمَّ أَخَذَ كَأسًا وشَكَرَ وناوَلَهم، فشَرِبوا مِنها كُلُّهم،
[24] وقالَ لَهم: «هٰذا هو دَمي، دَمُ العَهد، يُراقُ مِن أَجلِ جَماعَةِ النَّاس.
[25] الحَقَّ أَقولُ لَكم: لن أَشرَبَ بَعدَ الآنِ مِن عَصيرِ الكَرمَة، حتَّى ذٰلك اليَومِ الَّذي فيه أَشرَبُه جديدًا في مَلَكوتِ الله».
[26] ثُمَّ سَبَّحوا وخَرَجوا إِلى جَبَلِ الزَّيتون.
[27] وقالَ لَهم يسوع: ستَعثُرونَ بِأَجمَعِكم، لأَنَّه كُتِبَ: «سَأَضرِبُ الرَّاعي فَتَتَبَدَّدُ الخِراف»
[28] ولٰكِن، بَعدَ قِيامَتي، أَتَقَدَّمُكُم إِلى الجَليل».
[29] فقالَ لَه بُطرس: «لو عَثَروا بِأَجمَعِهم، فأَنا لَن أَعثُر».
[30] فقالَ له يسوع: «الحَقَّ أَقولُ لَكَ إِنَّكَ اليومَ في هٰذِه اللَّيلَة، قَبلَ أَن يَصيحَ الدِّيكُ مَرَّتَين، تُنكِرُني ثَلاثَ مَرَّات».
[31] فقالَ مُؤَكِّدًا: «لَستُ بِناكِرِكَ وإِن وَجَبَ علَيَّ أَن أَموتَ معَكَ». وهٰكذا قالوا كُلُّهم.
[32] ووصَلوا إِلى ضَيعَةٍ ٱسمُها جَتْسمَانِيَّة، فقالَ لِتَلاميذِه: «أُقعُدوا هُنا بَينما أُصَلِّي».
[33] ثُمَّ مضى بِبُطرُسَ ويَعقوبَ ويوحَنَّا، وجعَلَ يَشعُرُ بالرَّهبَةِ والكآبة.
[34] فقالَ لهم: «نَفْسي حَزينَةٌ حتَّى المَوت. أُمكُثوا هُنا وٱسهَروا».
[35] ثُمَّ أَبعَدَ قليلاً ووَقَعَ إِلى الأَرضِ يُصَلِّي لِتَبتَعِدَ عنهُ السَّاعة، إِن أَمكَنَ الأَمْر،
[36] قال: «أَبَّا، يا أَبَتِ، إِنَّكَ على كُلِّ شَيءٍ قَدير، فَٱصرِفْ عَنِّي هٰذِه الكَأس. ولٰكِن لا ما أَنا أَشاء، بل ما أَنتَ تَشاء».
[37] ثُمَّ رَجَعَ فَوَجَدَهُم نائمين، فقالَ لِبُطرس: «يا سِمْعان، أَتَنام؟ أَلَم تَقْوَ على السَّهَرِ ساعَةً واحِدَة؟
[38] إِسهَروا وصَلُّوا لِئَلاَّ تَقَعوا في التَّجرِبة. الرُّوحُ مُندَفِع، وأَمَّا الجَسدُ فَضَعيف».
[39] ثُمَّ مَضى ثانِيَةً يُصَلِّي فيُرَدِّدُ الكلامَ نَفْسَه.
[40] وَرَجَعَ أَيضًا فوَجَدهم نائمين لأَنَّ النُّعاسَ أَثقَلَ أَعيُنَهم، ولَم يَدْرُوا بِمَاذا يُجيبونَه.
[41] ورَجَعَ ثالِثَةً فقالَ لَهم: «ناموا الآنَ وٱستَريحوا! قُضيَ الأَمرُ وأَتَتِ السَّاعة. ها إِنَّ ٱبنَ الإِنسانِ يُسلَمُ إِلى أَيدي الخاطئين.
[42] قوموا نَنطَلِقْ، ها إِنَّ الَّذي يُسلِمُني قدِ ٱقتَرَب».
[43] وبَينَما هو يَتَكَلَّم، إِذ وَصَلَ يَهوذا أَحَدُ الِٱثنَيْ عَشَر، ومَعَه عِصابَةٌ تَحمِلُ السُّيوفَ والعِصِيّ، أَرسَلَها عُظَماءُ الكَهَنَةِ والكَتَبَةُ والشُّيوخ.
[44] وكانَ الَّذي يُسلِمُه قد جَعَلَ لَهم عَلامَةً إذ قالَ: «هو ذٰاكَ الَّذي أُقَبِّلُه، فأَمسِكوه وسوقوهُ مَحْفوظًا».
[45] ومَا إِن وَصَلَ حتَّى دَنا مِنهُ فقالَ له: «رابِّي!» وقَبَّلَه.
[46] فبَسَطوا أَيدِيَهُم إِليهِ وأَمسَكوه.
[47] فٱستَلَّ أَحدُ الحاضِرينَ سَيفَه، وضرَبَ خادِمَ عَظيمِ الكَهَنَةِ فقَطَعَ أُذُنَه.
[48] فقالَ لَهم يسوع: «أَعلى لِصٍّ خَرَجتُم تَحمِلونَ السُّيوفَ والعِصِيَّ لِتَقبِضوا علَيَّ؟
[49] كُنتُ كُلَّ يَومٍ بَينَكم أُعَلِّمُ في الهَيكَل فلَم تُمسِكوني، وإِنَّما حَدَثَ هٰذا لِتَتِمَّ الكُتُب».
[50] فتَركوهُ كُلُّهم وهَرَبوا.
[51] وتَبِعَه شابٌّ يَستُرُ عُريَه بِإِزار فأَمسَكوه.
[52] فتَخَلَّى عنِ الإِزارِ وهَرَبَ عُرْيانًا.
[53] وذَهَبوا بِيَسوعَ إِلى عَظيمِ الكَهَنَة، فٱجتَمَعَ عُظَماءُ الكَهَنَةِ والشُّيوخُ والكَتَبَةُ كُلُّهم.
[54] وتَبِعَه بُطرُسُ عن بُعدٍ إِلى دارِ عَظيمِ الكَهَنَةِ فدخَلَها. وجَلَسَ معَ الخَدَمِ يَستَدفِئُ عِندَ النَّار.
[55] وكانَ عُظَماءُ الكَهَنَةِ والمَجلِسُ كافَّةً يَطلُبونَ شَهادةً على يسوع لِلحُكْمِ علَيه بِالموت، فلَم يَجِدوا.
[56] ذٰلِكَ بِأَنَّ أُناسًا كثيرينَ كانوا يَشهَدونَ علَيه زورًا فلا تَتَّفِقُ شَهاداتُهم.
[57] فقامَ بَعضُهم وشَهِدوا علَيه زورًا قالوا:
[58] «نَحنُ سَمِعناهُ يقول: إِنِّي سَأَنقُضُ هٰذا الهَيكَلَ الَّذي صنَعَته الأَيدي، وأَبْني في ثَلاثَةِ أَيَّامٍ هَيكلاً آخَرَ لم تَصنَعْه الأَيدي».
[59] ولا على هٰذا اتَّفَقَت شَهاداتُهم.
[60] فقامَ عظيمُ الكَهَنَةِ في وَسْطِ المَجلِسِ وسأَلَ يسوع: «أَما تُجيبُ بِشَيء؟ ما هٰذا الَّذي يَشهَدُ بِه هٰؤُلاءِ علَيكَ؟»
[61] فظَلَّ صامِتًا لا يُجيبُ بِشَيء. فسأَلَه عَظيمُ الكَهَنَةِ ثانيةً قالَ له: «أَأَنتَ المسيحُ ٱبنُ المُبارَك؟»
[62] فقالَ يسوع: «أَنا هو. وسَوفَ تَرونَ ٱبنَ الإِنسانِ جالِسًا عن يَمينِ القَدير، وآتِيًا في غَمامِ السَّماء».
[63] فشَقَّ عظيمُ الكَهَنَةِ ثِيابَه وقال: «ما حاجَتُنا بَعدَ ذٰلك إِلى الشُّهود؟
[64] لَقَد سَمِعتُمُ التَّجْديف، فما رَأيُكُم؟» فأَجمَعوا على الحُكمِ بِأَنَّه يَستَوجِبُ المَوت.
[65] وأَخَذَ بَعضُهم يَبصُقونَ علَيه، ويُقَنِّعونَ وَجهَه ويَلطِمونَه ويقولون: «تَنَبَّأْ!» وَٱنْهالَ الخَدَمُ عَلَيه بِاللَّطْم.
[66] وبَينَما بُطرُسُ في الأَسفَل، في ساحةِ الدَّار، جاءَت جارِيَةٌ مِن جَواري عَظيمِ الكَهَنَة،
[67] فرأَت بُطرسَ يَستَدفِئ فتَفَرَّسَت فيه وقالت: «أَنتَ أَيضًا كُنتَ مع النَّاصِريّ، مع يسوع».
[68] فأَنكَرَ قال: «لا أَدري ولا أَفهَمُ ما تَقولين». ومضى إِلى خارِجِ الدَّارِ نَحوَ الدِّهْليز،
[69] فرَأَته الجارِيَةُ فأَخذَت تَقولُ ثانِيًا لِلحاضِرين: «هٰذا مِنهُم!»
[70] فأَنكَرَ ثانِيًا. وبَعدَ قَليل، قالَ الحاضِرونَ أَيضًا لِبُطرس: «حَقًّا أَنتَ مِنهم لأَنَّكَ جَليليّ».
[71] فأَخذَ يَلعَنُ ويَحلِف: «إِنِّي لا أَعرِفُ هٰذا الرَّجُلَ الَّذي تَعْنُونَه».
[72] فصاحَ الدِّيكُ عِندَئذٍ مَرَّةً ثانِية، فتَذَكَّرَ بُطرُسُ الكَلِمَةَ الَّتي قالَها له يسوع: «قبلَ أَن يَصيحَ الدِّيكُ مَرَّتَين، تُنكِرُني ثَلاثَ مَرَّات». فخَرَجَ على عَجَلٍ وأَخَذَ يَبكي.