< سفر الجامعة 2

Listen to this chapter • 3 min
[1] ثُمَّ ناجَيتُ قَلْبي قائِلًا: «هَلُمَّ فأُذيقَكَ الفَرَح فترى السَّعادة، وإِذا هٰذا أَيضًا باطِل».
[2] في الضَّحِكِ قُلتُ: «مَجْنون»، وفي الفَرَحِ: «ماذا يَنفَع؟».
[3] عَزَمتُ في قَلْبي أَن أُسلِمَ جَسَدي لِلخَمْر، وقَلْبي مُنصَرِفٌ إِلى الحِكمَة، وأَن أَلزَمَ الحَماقَةَ، حتَّى أَرى ما يَصلُحُ لِبَني البَشَرِ أَن يَصنَعوه تَحتَ السَّماءِ طَوالَ أَيَّامِ حَياتِهم.
[4] فصَنَعتُ أَعْمالًا عَظيمة وبَنَيتُ لي بُيوتًا وغَرَستُ لي كُرومًا
[5] وأَنشَأتُ لي جَنَّاتٍ وفَراديس وغَرَستُ فيها أَشْجارًا مِن كُلِّ ثَمَر.
[6] وصَنَعتُ لي بِرَكَ ماءٍ لأَسقِيَ بِها الغَرائِسَ النَّامِيَةَ الأَشْجار.
[7] وٱقتَنَيتُ عَبيدًا وإِماءً فكانَ بَيتي عامِرًا بِالبَنين، ورُزِقتُ مَواشِيَ كَثيرةً مِنَ البَقَرِ والغَنَم، حَتَّى فُقتُ جَميعَ الَّذينَ كانوا قَبْلي بِأُورَشَليم.
[8] وجَمَعتُ لي فِضَّةً وذَهَبًا، أَمْوالَ المُلوكِ والأَقاليم، وٱتَّخَذتُ لي مُغَنِّينَ ومُغَنِّياتٍ ومَلَذَّاتِ بَني البَشَرِ وٱمرَأَةً ونِساء.
[9] فزدتُ عَظَمَةً وتَفَوَّقتُ على جَميعِ الَّذينَ كانوا قَبْلي بِأُورَشَليم، والحِكمَةُ أَيضًا بَقِيَت لي.
[10] وكُلُّ ما ٱبتَغَته عَينايَ لم أَحرِمْهما مِنه، ولا مَنَعتُ قَلْبي مِنَ الفَرَحِ شَيئًا. بل فَرِحَ قَلْبي مِن كُلِّ عَمَلي وكانَ ذٰلك نَصيبي مِن عَمَلي كُلِّه.
[11] ثُمَّ ٱلتَفَتُّ إِلى جَميعِ أَعْمالي الَّتي عَمِلَتها يَدايَ، وإِلى ما عانَيتُ مِنَ التَّعَبِ في عَمَلِها، فإِذا كُلُّ شَيءٍ باطِلٌ وسَعيٌ وَراءَ الرِّيح، ولا فائِدَةَ في شيءٍ تَحتَ الشَّمْس.
[12] ثُمَّ ٱلتَفَتُّ لأَنظُرَ في الحِكمَةِ والجُنونِ والحَمَاقة، وماذا يَفعَلُ الإِنسانُ الَّذي يَخلُفُ المَلِكَ غَيرَ ما قد فُعِل؟
[13] فرَأَيتُ أَنَّ الحِكمَةَ أَفضَلُ مِنَ الحَماقَة كَما أَنَّ النُّورَ أَفضَلُ مِنَ الظُّلمَة.
[14] لِلحَكيمِ عَينانِ في رَأسِه، أَمَّا الجاهِلُ فيَسيرُ في الظُّلمَة، لٰكِنِّي عَلِمتُ أَنَّ مَصيرًا واحِدًا يَنتَظِرهُما.
[15] فقُلتُ في قَلْبي: «إِنَّ مَصيرَ الجاهِلِ هو مَصيري أَنا أَيضًا، إِذَن فلِمَ حِكمَتي هٰذه؟»، فقُلتُ في قَلْبي: «هٰذا أَيضًا باطِل»،
[16] فإِنَّه لَيسَ مِن ذِكْرٍ لِلحَكيمِ ولِلجاهِلِ كِلَيهِما لِلأَبَد، إِذ في الأَيَّامِ الآتِيَةِ كُلُّ شَيءٍ يُنْسى، وفي الحَقيقَةِ يَموتُ الحَكيمُ كالجاهِل!
[17] فكَرِهتُ الحَياةَ إِذ قد ساءَني العَمَلُ الَّذي يُعمَلُ تَحتَ الشَّمْس، لأَنَّه كُلَّه باطِلٌ وسَعْيٌ وَراءَ الرِّيح.
[18] وكَرِهتُ كُلَّ ما عانَيتُ تَحتَ الشَّمسِ مِن تَعَبي الَّذي سأَترُكُه لِلإنسانِ الَّذي يَخلُفُني:
[19] ومَن يَدْري هل يَكونُ حَكيمًا أَو أَحمَق؟ مع أَنَّه سيَتَسَلَّطُ على كُلِّ عَمَلي الَّذي أَفرَغتُ فيه تَعَبي وحِكمَتي تَحتَ الشَّمْس: هٰذا أَيضًا باطِل.
[20] فٱنثَنَيتُ على قَلْبي يائِسًا مِن كُلِّ التَّعَبِ الَّذي عانَيتُه تَحتَ الشَّمْس،
[21] لأَنَّه رُبَّ إِنْسانٍ كانَ تَعَبُه بِحِكمَةٍ وعِلمٍ ونَجاح، ثُمَّ تَرَكَ نَصيبَه لأُنْسانٍ لم يَتعَبْ فيه: هٰذا أَيضًا باطِلٌ وشَرٌّ عَظيم.
[22] ماذا يَكونُ للأُنْسانِ مِن كُلِّ تَعَبِه، ومِن كَدِّ قَلبِه الَّذي عاناه تَحتَ الشَّمْس؟
[23] لأَنَّ أَيَّامَه كُلَّها مُؤلِمَة وأَعمالَه غَمّ، حَتَّى في اللَّيلِ لا يَستَريحُ قَلبُه، هٰذا أَيضًا باطِل.
[24] لا خَيْرَ للإنسانِ إِلاَّ أَن يَأكُلَ ويَشرَبَ ويُذيقَ نَفسَه الهَناءَ بِتَعَبِه. فإِنِّي رَأَيتُ أَنَّ هٰذا أَيضًا مِن يَدِ الله،
[25] فَمَن تُرى يَأكُلُ ويَشرَبُ إِلاَّ مِن يَدِه؟
[26] إِنَّ اللهَ يُؤتي الإِنْسانَ الصَّالِحَ أَمامَه حِكمَةً وعِلمًا وفَرَحًا، ويُؤتي الخاطِئَ عَناءَ الجَمْعِ والإِدِّخار، حتَّى يُعطِيَ كُلَّ شَيءٍ لِمَن هو صالِحٌ أَمامَ الله.