< سفر صموئيل الثاني 14

Listen to this chapter • 5 min
[1] وعَرَفَ يوآبُ ٱبنُ صَرَويَةَ أَنَّ قَلبَ داوُدَ المَلِكِ مُهتَمٌّ بأَبْشالوم.
[2] فأَرسَلَ يوآبُ إِلى تَقوع، وأَتى مِن هُناكَ بِٱمرَأَةٍ حَكيمَةٍ وقالَ لَها: «تَظاهَري بِالحُزنِ وٱلبَسي لِباسَ الحِدادِ ولا تَتَطَيَّبي، بل كوني كٱمرَأَةٍ تَنوحُ على مَيتٍ مِن أَيَّامٍ كَثيرة.
[3] وٱدخُلي على المَلِكِ وكَلِّميه بِهٰذا الكَلام». وجَعَلَ يوآبُ الكَلامَ على لِسانِها.
[4] فكلَّمَتِ المَرأَةُ التَّقوعِيَّةُ المَلِكَ وٱرتَمَت بِوَجهِها إِلى الأَرض وسَجَدَت وقالَت: «خَلِّصْني أَيُّها المَلِك».
[5] فقالَ لَها المَلِك: «ما شأنُكِ؟» قالَت: «إِنَّني ٱمرَأَةٌ أَرمَلَة، قد تُوُفِّي زوجي.
[6] وكانَ لأَمَتِكَ ٱبْنانِ تَشاجرا في البَرِّيَّة، ولم يَكُنْ مَن يَفصِلُ بَينَهما، فضَرَبَ أَحَدُهما الآخَرَ وقَتَلَه.
[7] وإِذا بِكُلِّ العَشيرةِ قامَت على أَمَتِكَ وقالَت: سَلِّمي إِلَينا الَّذي قَتَلَ أَخاه لِنَقتُلَه بِنَفْسِ أَخيه الَّذي قَتَلَه ونُهلِكَ الوارِثَ أَيضًا. وبِذٰلك يُطفِئونَ جَمرَتيَ الَّتي بَقِيَت، ولا يَترُكونَ لِزَوجي ٱسمًا ولا باقِيًا على وَجهِ الأَرض».
[8] فقالَ المَلِكُ لِلمَرأَة: «إِنصَرِفي إِلى بَيتِكِ، فإِنِّي أُوصي فيكِ».
[9] فقالَتِ المَرأَةُ التَّقوعِيَّةُ لِلمَلِك: «لِيَكُنْ علَيَّ الإِثْم، يا سَيِّدي المَلِك، وعلى بَيتِ أَبي، ولٰكِنَّ المَلِكَ وعَرشَه بَريئان».
[10] فقالَ لَها المَلِك: «مَن كَلَّمَكِ بِهٰذا فأتيني بِه، فلا يَعودُ يَتَعَرَّضُ لَكِ».
[11] قالَت: «أُذكُرْ، أَيُّها المَلِكُ، الرَّبَّ إِلٰهَكَ، فلا يُكثِرَ المُنتَقِمُ لِلدَّمِ الدَّمارَ ويُهلِكَ ٱبْني». فقال: «حَيٌّ الرَّبّ! إِنَّها لا تَسقُطُ شَعَرَةٌ مِنِ ٱبنِكِ على الأَرض».
[12] فقالَتِ المَرأَة: «لِتُكَلِّمْ أَمَتُكَ، سَيِّديَ المَلِك، بِكَلِمة». قال: «تَكَلَّمي».
[13] فقالَتِ المَرأَة: «لِمَ نَوَيتَ مِثلَ هٰذا على شَعبِ الله، فما تَكَلَّمَ بِه المَلِكُ مِن هٰذا الكَلامِ لا يَخْلو مِن الذَّنْب، بما أَنَّ المَلِكَ لم يَرُدَّ مَنفِيَّه.
[14] فإِنَّه لا بُدَّ أَن نَموت ونَكونَ كالماءِ المُراقِ على الأَرض، الَّذي لا يُجمَعُ بَعدَ ذٰلك، واللهُ لا يَستَثْني نَفْسًا، بل يُخَطِّطُ تَخْطيطًا حتَّى لا يُنْفى عَنه مَنفِيُّه.
[15] والآنَ فإِنَّما جِئتُ لأُكَلِّمَ المَلِكَ سَيِّدي بِهٰذا الأَمْر، لأَنَّ النَّاسَ قد أَخافوني، فقالت أَمَتُكَ في نَفْسِها: أُكَلِّمُ المَلِكَ، لَعَلَّ المَلِكَ يَعمَلُ بِقَولِ أَمَتِه،
[16] لأَنَّ المَلِكَ يَرْضى بإِنقاذِ أَمَتِه مِن يَدِ الرَّجُلِ الَّذي يُريدُ أَن يَفصِلَني، أَنا وٱبْني معي، مِن ميراثِ الله.
[17] فقالَت أَمَتُكَ في نَفْسِها: لِيَكُنْ كَلامُ سَيِّدي المَلِكِ راحةً، لأَنَّ سَيِّدي المَلِكَ هو كمَلاكِ اللهِ في فَهمِ الخَيرِ والشَّرّ، ولْيَكُنِ الرَّبُّ إِلٰهُكَ مَعَكَ».
[18] فأَجابَ المَلِكُ وقالَ لِلمَرأَة: «لا تَكتُمي عنِّي شَيئًا مِمَّا أَسأَلُكِ عَنه». فقالَتِ المَرأة: «لِيَتَكَلَّمْ سَيِّدي المَلِك».
[19] فقالَ المَلِك: «أَيَدُ يوآبَ مَعَكِ في هٰذا كُلِّه؟» فأَجابَتِ المَرأَةُ وقالَت: «حَيَّةٌ نَفسُكَ يا سَيِّدي المَلِك! لا يَحيدُ المَرءُ عن قَولِ المَلِكِ يَمنَةً ولا يَسرَةً. إِنَّ عَبدَكَ يوآبَ هو الَّذي أَمَرَني وهو الَّذي جَعَلَ على لِسانِ أَمَتِكَ هٰذا الكَلامَ كُلَّه.
[20] لأَجلِ تَحْويلِ وَجهِ الأُمور فَعَلَ عَبدُكَ يوآبُ هٰذا، ولٰكِنَّ لِسَيِّدي حِكمَةً كحِكمَةِ مَلاكِ اللهِ في مَعرِفَةِ كُلِّ ما في الأَرض».
[21] فقالَ المَلِكُ لِيوآب: «هاءَنَذا أَفعَلُ هٰذا الأَمْر، فٱذهَب ورُدَّ الفَتى أَبْشالوم».
[22] فٱرتَمى يوآبُ على وَجهِه إِلى الأَرضِ ساجِدًا وبارَكَ المَلِكَ وقالَ: «اليَومَ عَلِمَ عَبدُكَ أَنِّي قد نِلتُ حُظوَةً في عَينَيكَ، يا سَيِّديَ المَلِك، إِذ إِنَّ المَلِكَ يَفعَلُ ما قالَ عَبدُه».
[23] وقامَ يوآبُ ومَضَى إِلى جَشور، وأَتى بِأَبْشالومَ إِلى أُورَشَليم.
[24] فقالَ المَلِك: «لِيَنصَرِفْ إِلى مَنزِلِه ولا يَرَ وَجْهي». فٱنصَرَفَ أَبْشالومُ إِلى مَنزِلِه ولم يَرَ وَجهَ المَلِك.
[25] ولم يَكُنْ في كُلِّ إِسْرائيلَ رَجُلٌ جَميلٌ ومَمْدوحٌ كثيرًا كأَبْشالوم: مِن أَخمَصِ قَدَمِه إِلى قِمَّةِ رأسِه لم يَكُنْ فيه عَيب.
[26] وكانَ عِندَ حَلْقِ رأسِه (كانَ يَحلِقُه في آخِرِ سَنَة، لأَنَّه كانَ يَثقُلُ علَيه فيَحلِقُه)، يَكونُ وَزنُ شَعَرِ رأسِه مِئَتي مِثْقالٍ بِمِثْقالِ المَلِك.
[27] ووُلِدَ لأَبشالومَ ثَلاثَةُ بَنينَ وٱبنَةٌ واحِدَةٌ ٱسمُها تامار، وكانَتِ ٱمرَأَةً جَميلَةَ المَنظَر.
[28] وأَقامَ أَبْشالومُ في أُورَشَليمَ سَنَتَين، ولم يَرَ وَجهَ المَلِك.
[29] فٱستَدْعى أَبشالومُ يوآبَ لِيُرسِلَه إِلى المَلِك، فلَم يَشَأْ أَن يَأتِيَ إِلَيه. فٱستَدْعاه أَيضًا ثانِيَةً، فلَم يَشَأْ أن يأتي.
[30] فقالَ أَبْشالومُ لِخُدَّامِه: «أُنظُروا! إِنَّ حَقلَ يوآبَ بِجانِبِ حَقْلي، وإِنَّ لَه هُناكَ شَعيرًا. فٱذهَبوا وأَحرِقوه بِالنَّار». فأَحرَقَ خُدَّامُ أَبْشالومُ الحَقلَ بِالنَّار.
[31] فقامَ يوآبُ ومَضى إِلى أَبْشالومَ إِلى البَيتِ وقالَ لَه: «لِماذا أَحرَقَ خُدَّامُكَ حَقْلي بِالنَّار؟»
[32] فقالَ أَبْشالومُ لِيوآب: «إِنِّي قدِ ٱستَدعَيتُكَ قائِلًا: تَعالَ إِلى هُنا فأُرسِلَكَ إِلى المَلِك، لِكَي تَقولَ لَه: لِماذا جِئتُ مِن جَشور. لقَد كانَ خَيرًا لي لو بَقيتُ هُناكَ. والآن، لأَرَ وَجهَ المَلِك. فإِن كانَ علَيَّ إِثْمٌ فلْيَقتُلْني».
[33] فذَهَبَ يوآبُ إِلى المَلِكِ وأَخبَرَه، فدَعا أَبْشالوم، فدَخَلَ على المَلِك وسَجَدَ بِوَجهِهِ إِلى الأَرضِ بَينَ يَدَيِ المَلِك. فقَبَّلَ المَلِكُ أَبْشالوم.